دَلِيلُ الْمُتَثَقِّفِينَ

دَلِيلُ الْمُتَثَقِّفِينَ

الأربعاء، أكتوبر 12، 2011

«الديمقراطية» هى الأسوأ أحياناً




 بقلم محمد البرغوثى ٣/ ١٠/ ٢٠١١

 لست ممن يعولون على الانتخابات وحدها - حتى لو كانت نزيهة وشفافة - فى إحداث تغيير إلى الأفضل فى أى مجتمع.. فهى مجرد وسيلة قد تأتى بمن يصلح، وقد تأتى بأسوأ خلق الله لإدارة شؤون البلاد والعباد، وقديماً جاءت الديمقراطية فى ألمانيا بالزعيم النازى أدولف هتلر، وجاءت فى إيطاليا بالزعيم الفاشى موسولينى،
 وأنتجت الديمقراطية الأمريكية خلال العقود القليلة الماضية شخصيات كريهة لعبت دوراً فارقاً فى تخريب العالم كله مثل ريجان وبوش الأب وبوش الابن. وهناك الطبعة الروسية الجديدة من الديمقراطية الغربية التى تستند فقط إلى قدرة شخص ما أو حزب محدد على الحشد والخداع والتدليس..
 وها هو رئيس الوزراء الروسى الحالى بوتين يمارس الديمقراطية أسوأ عشرات المرات مما فعله رؤساء دول العالم الثالث بالديكتاتورية.. فقبل حوالى أربع سنوات كان بوتين رئيساً لروسيا، وبعد أن ظل فى موقعه فترتين متتاليتين وفقاً للدستور الروسى دفع بسكرتيره الشخصى ليتولى رئاسة البلاد لفترة واحدة، أصبح خلالها بوتين رئيساً للوزراء، وخلالها أيضاً تم العبث بالدستور لينص على أن تكون فترة حكم الرئيس ٦ سنوات بدلاً من ٤ سنوات، ومنذ أسابيع قليلة أعلن بوتين عن نيته الترشح مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية، على أن يعود الرئيس الحالى إلى موقع رئيس الوزراء.
 إنه تدليس صريح لا يجرمه الدستور، وخداع واضح يصعب على أحد أن يطعن بتعارضه مع الأصول الديمقراطية، وليس أمام الشعب الروسى إلا أن يذهب إلى صناديق الانتخاب لممارسة حقه الشرعى فى الاختيار بين السيئ والسيئ أو بين الكوليرا والطاعون!
 إن هذا العوار الديمقراطى - إذا صح التعبير - هو ذاته الذى ننتظره فى مصر، وينتظره كل شعوب العالم الثالث التى لم تعرف من حكامها غير القمع والكذب والفساد والجهل، ولم تعرف من الديمقراطية غير النماذج الجاهزة التى تم إنجازها فى مجتمعات أخرى طبقاً لمعايير وظروف تناسب هذه المجتمعات، وها نحن نسعى - عبر النخبة المثقفة والمتطلعة - إلى استيرادها وتطبيقها قسراً على مجتمعاتنا.
 صحيح أن بعض هذه النماذج أدى إلى تقدم مذهل فى كل جوانب الحياة، وأدى إلى تحسن مطرد فى مستويات المعيشة وحفظ الكرامة الإنسانية، ولكن هذه الإيجابيات العظيمة تحققت عبر عقود طويلة من العمل والتجريب والتصويب، وتعرضت بعض النماذج الديمقراطية إلى نقد قاس بعد دراسة مستفيضة انتهت إلى التخلص منها. ورغم ذلك مازلنا هنا فى مصر نتعامل مع الانتخابات مثل محدثى النعمة أو مثل جائع فقير حملوه إلى «بوفيه مفتوح» فى أحد فنادق السبع نجوم، فإذا به - كما هو متوقع - يقبل فى نهم مفرط على كل ما يقع تحت عينيه، حتى ينتهى به الأمر إلى أقرب مكان لإفراغ معدته أو إلى أقرب مستشفى لعلاجه من التلبك المعوى.
 الانتخابات إذن ليست غاية المراد، ولا حتى وسيلة مضمونة لبلوغ أى غاية جيدة، وما يحدث فى الجامعات المصرية الآن، وما قد يحدث فى أماكن أخرى مثل الصحف القومية ومراكز البحوث من اختيار الرؤساء والعمداء ورؤساء الأقسام والمديرين الكبار بالانتخاب لن يؤدى إلى أى نهضة تعليمية أو بحثية أو إعلامية كما قد يظن البعض، وأكبر دليل على ذلك أن نتائج الانتخابات فى بعض الكليات أسفرت عن نجاح العمداء القدامى، الذين كان تعيينهم مشروطاً بموافقة أمن الدولة. والخلاصة أننا فى أشد الاحتياج إلى رؤى جديدة لاختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء تحرير الصحف،
 إذ لا ينبغى لهؤلاء أن يخضعوا لكل أساليب التدليس والحشد والنفاق والتربيط والكذب لكى ينجحوا، ولا ينبغى أبداً أن يؤدى احتياج «العميد» إلى أصوات أعضاء هيئة التدريس إلى التغاضى عن كل الجرائم التى ترتكب فى الجامعات والمؤسسات الصحفية.. حتى لا يفقد المرشح المحتمل لفترة ثانية صوتاً فاسداً أو غير فاسد

0 التعليقات:

إرسال تعليق